الأحد، 14 سبتمبر 2014

نظرة الاسلام للتربية واختلافها عن الفلسفات الأخرى


بسم الله الرحمن الرحيم
جامعة السودان المفتوحة
برنامج الدراسات العليا- الدبلوم العالي
التربية- مناهج وطرق تدريس
مادة: اصول التربية- الفصل الدراسي الاول




ورقة فصلية بعنوان


نظرة الاسلام للتربية واختلافها عن الفلسفات الاخرى



الدارسة:
تهاني عباس عبد العزيز


الحمد لله الذي أكرمنا بالدين وأنعم علينا بالهداية لطريق المرسلين، أحمده سبحانه وأشكره وأسأله التوفيق وبرد اليقين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله.
شك أن للإسلام أهدافه من تربية المسلم وتعليمه، يبدو ذلك جليا من نصوص الكتاب والسنة النبوية الشريفة، وليس أدل على ذلك إلا أول ما نزل من القرآن الكريم قال تعالى: {اقرأ...} وقد تكرر الأمر في الآية الثالثة تأكيدا للأمر الأول، ووضح سبحانه أداة العلم بقوله: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} يعني الخط والكتابة. {عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} من أنواع الهدى والبيان.
وقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} أي اجعل هذا الفعل لله وافعله لأجله كما تقول: بنيت هذه الدار باسم الأمير، وصنعت هذا الكتاب باسم الوزير ولأجله، فإن العبادة إذا صارت لله تعالى، فكيف يجترئ الشيطان أن يتصرف فيما هو لله؟ وهذا هو الفارق بين الإسلام وغيره فالعلم والتربية في الإسلام غايتهما الله عز وجل.
ونشير في تلك السطور إلى أهداف وأنواع التربية الإسلامية إذ لا سبيل لأمتنا سوى الرجوع لمنابع العلم والأخذ بأسباب القوة يقول الشاعر:
شرايع الدين إن غيضت مناهلها
بعد الزكي فمن بالعلم يرويها
وقبة العلم إن هدت دعامتها
من ذا يعيد بناها بعد بانيها
يتضح مما سبق أن نظرة الاسلام للتربية تختلف عن نظرة الفلسفات  التربوية الاخرى سنقف من خلال هذه الورقة العلمية على نظرة الاسلام للتربية ليتبن لنا مدى الاختلاف بين الفلسفتين.
 فالتربية في اللغة : مشتقَّةٌ من الفعل (رَبَبْ) والاسم (الرَّب) ويطلق على : المالك والسيد المطاع والمصلح والتربية.
مأخوذة من المعنى الثالث وهو الإصلاح .
ومن تعريفات التربية في الاصطلاح : " تنشئةُ وتكوينُ إنسانٍ سليم مُسلم متكامل من جميع نواحيه المختلفة ، من الناحية الصحية والعقلية والاعتقادية ، والروحية الاعتقادية ، والإدارية والإبداعية " . ومعنى التربية يشبه عمل الفلاح الذي يقلع الشوك : ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع ليحسن نباته "
مكانة التربية في الإسلام
قد  دلت الآيات والأحاديث على فضل تربية الولد ، ومنها قوله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ 30 .
قال قتادة - رحمه الله- :
"
تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصية الله وأن تقوم عليهم بأمر الله وتأمرهم به وتساعدهم عليه ، فإذا رأيت معصية قذعتهم عنها ، وزجرتهم عنها "
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ، الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها . . . .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يُحطها بنصحه إلا لم يرح رائحة الجنة).
وقال ابن عمر - رضي الله عنهما- :
"
أدب ابنك فإنك مسئول عنه ، ماذا أدَّبته؟ وماذا علَّمته؟ وهو مسئول عن برّك وطواعيته لك
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التربية خير من الصدقة فقال : (لأن يؤدِّب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع ).
كما أرشد إلى أن تعليم الولد الخُلُقَ الحسن أفضل من كل عطاء فقال : ما نَحَل والدٌ ولداً أفضل من أدب حسن .
وأما تربية البنات فهي حجاب عن النار ، فعن جابر بن عبد اللّه - رضي الله عنه- قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كان له ثلاث بنات : يؤدبهن، ويكفيهن ويرحمهن ، فقد وجبت له الجنة ).
فقال رجل من بعض القوم : وثنتين يا رسول الله ؟ قال : وثنتين .
صفات المربي الناجح :
   للمربي الناجح صفات كلما ازداد منها زاد نجاحه في تربية ولده بعد توفيق الله ، وقد يكون المربي أباً أو أماً أو أخاً أو أختاً أو عماً أو جداً أو خالاً ، أو غير ذلك ، وهذا لا يعني أن التربية تقع على عاتق واحد ، بل كل من حول الطفل يسهم في تربيته وإن لم يقصد .
وصفات المربي كثيرة أهمها :
العلم ، والأمانة ، والقوة ، والعدل ، والحرص ، والحزم ، والصلاح ، والصدق ، والحكمة .
.1 العلم
عُدَّةُ المربي في عملية التربية . فلا بد أن يكون لديه قدر من العلم الشرعي ، إضافة إلى فقه الواقع المعاصر .
والعلم الشرعي : هو علم الكتاب والسنة ، ولا يُطلب من المربي سوى القدر الواجب على كل مكلف أن يتعلمه ، وقد

حدده العلماء بأنه "القدر الذي يتوقف عليه معرفة عبادة يريد فعلها ، أو معاملة يريد القيام بها ، فإنه في هذه الحال يجب أن يَعرف كيف يتعبد الله بهذه العبادة وكيف يقوم بهذه المعاملة" .
وإذا كان المربي جاهلاً بالشرع فإن أولاده ينشئون على البدع والخرافات ، وقد يصل الأمر إلى الشرك الأكبر- عياذا بالله- .ولو نظر المتأمل في أحوال الناس لوجد أن جل الأخطاء العَقَدية والتعبدية إنما ورثوها عن آبائهم وأمهاتهم ، ويَظَلّون عليها إلى أن يقيّض الله لهم من يعلمهم الخير ويربيهم عليه ، كالعلماء والدعاة والإخوان الصالحين أو يموتون على جهلهم .
والمربي الجاهل بالشرع يحول بين أبنائه وبين الحق بجهله ؛ وقد يعاديه لمخالفته إياه ، كمن يكره لولده كثرة النوافل أو ترك المعاصي أو الأمر بالمعروف أو طلب العلم أو غير ذلك .
ويحتاج المربي أن يتعلم أساليب التربية الإسلامية ويدرس عالم الطفولة ؛ لأن لكل مرحلة قدرات واستعدادات نفسية وجسدية ، وعلى حسب تلك القدرات يختار المربي وسائل زرع العقيدة والقيم وحماية الفطرة السليمة ولذا نجد اختلاف الوسائل التربوية بين الأطفال إذا اختلفت أعمارهم ، بل إن الاتفاق في العمر لا يعني تطابق الوسائل التربوية ؛
إذ يختلف باختلاف الطبائع .وعلى المربي أن يعرف ما في عصره من مذاهب هدَّامة وتيارات فكرية منحرفة ، فيعرف ما ينتشر بين الشباب والمراهقين من المخالفات الشرعية التي تَفدُ إلينا ؛ ليكون أقدر على مواجهتها وتربية الأبناء على الآداب الشَرعية .
2. الأمانة 
    وتشمل كل الأوامر والنواهي التي تضمنها الشرع في العبادات والمعاملات ومن مظاهر الأمانة : أن يكون المربي حريصاً على أداء العبادات ، آمراً بها أولاده ، ملتزماً بالشرع في شكله الظاهر وفي الباطن ، فيكون قدوة في بيته ومجتمعه ، متحلياً بالأمانة ، يسلكُ في حياته سلوكاً حسناً وخُلُقَاَ فاضَلاَ مع القريب والبعيد في كل حال وفي كل مكان لأن هذا الخُلُق منبعه الحرص على حمل الأمانة بمعناها الشامل .
3. القوة
    أمرٌ شامل فهي تفوّقٌ جسديّ وعقليٌّ وأخلاقيٌّّ ، وكثير من الآباء يتيسر لهم تربية أولادهم في السنوات الأولى، لأن شخصياتهم أكبر من شخصيات أولادهم ولكن قليلٌ أولئك الآباء الذين يَظلون أكبر وأقوى من أبنائهم ولو كبروا .وهذه الصفة مطلوبة في الوالدين ومن يقوم مقامهما ، ولكن لا بد أن تكون للأب وهي جزء من القوامة ، ولكن ثمة خوارق تكسر قوامة الرجل وتضعف مكانته في الأسرة ، منها :
*
أن تكون المرأة نشأت في بيت تقوده المرأة ، والرجل فيه ضعيف منقاد ، فتغتصب هذه المرأة القوامة من الرجل بالإغراء ، أو التسلط وسوء الحلق ، واللسان الحاد .
*
أن تعلن المرأة أمام أولادها التذمر أو العصيان ، أو تتهم الوالد بالتشدد والتعقيد ، فيرسخ في أذهان الأولاد ضعف الأب واحتقار عقليته .
*
أن تَعرض المرأة على زوجها أمراً فإذا أبى الزوج خالفته خفية مع أولادها ، فيتعود الأولاد مخالفة الوالد والكذب عليه . ولا بد أن تسلم المرأة قيادة الأسرة للرجل ، أباً كان أو أخاً كبيراً أو خالاً أو عماً ، وعليها أن تنقاد لأمره ليتربى الأولاد
على الطاعة ، وإن مَنَعَ شيئاً فعليها أن تطيع وإن خالفه بعض أولادها فيجب أن تخبر الأب ولا تتستر عليه لأن كثيراً من  الانحرافات تحدث بسبب تستُّر الأم .
وفي بعض الأحوال تصبح الأم في حيرة ، كأن يطلب الأولاد شيئاً لا يمنعه الشرع ولا الواقع ، ولكن الأب يمانع لرأي يراه قد يفصح عنه وقد يكتمه ، فيحاول الأولاد إقناع الأب فلا يقتنع ، ففي هذه الحال لا بد أن تطيع المرأة ، وتطيّب نفعاً أولادها وتبين لهم فضل والدهم ورجاحة عقله ، وتعزيهم بما في الحياة من أحداث تشهد أن للوالدين إحساساً لا يخيب
، وهذا الإحساس يجعل الوالد أحياناً يرفض سفر ولده مثلاً ، ثم يسافر الأصدقاء فيصابون بأذى فيكون رفض الوالد خيراً وذلك بسبب إحساسه .
4. العدل
   وقد كان السلف خير أسوة في العدل بين أولادهم ، حتى كانوا يستحبون التسوية بينهم في القُبَل وعاتب النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أخذ الصبي وقبَّله ووضعه على حجره ولما جاءت بنته أجلسها إلى جنبه ، فقال له : ألا سوَّيت بينَهما وفي رواية : فما عدلت بينهما .
والعدل مطلوبٌ في المعاملة والعقوبة والنفقة والهبَة والملاعبة والقُبَل ، ولا يجوز تمييز أحد الأولاد بعطاء لحديث النعَمان المشهور حيث أراد أبوه أن يهبه دون إخوته ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أشهد غيري فإني لا أشهد على جور إلا أن هناك أسباباً تبيح تمييز بعض الأولاد كاستخدام الحرمان من النفقة عقاباً ، وإثابة المحسن بزيادة نفقته ، أو أن يكون بعضهم محتاجاً لقلة ماله وكثرة عياله .ولا يعني العدل تطابق أساليب المعاملة ، بل يتميز الصغير والطفل العاجز أو المريض وذلك لحاجتهما إلى العناية . وكذلك الولد الذي يغيب عن الوالدين بعض أيام الأسبوع للدراسة أو العمل أو العلاج ، ولابد أن يبيّن الوالدان لبقية
الأولاد سبب تمييز المعاملة بلطف وإشفاق ، وهذا التميز ليس بالدرجة الكبيرة ولكن فرق يسير بين معاملة هؤلاء ومعاملة البقية ، وهذا الفرق اليسير يتسامح الإخوة به ويتجاوزون عنه .
    ومما يزرع الكراهية في نفوس الإخوة تلك المقارنات التي تُعقد بينهم ، فيُمدح هذا ويُذم هذا ، وقد يقال ذلك عند الأصدقاء والأقارب فيحزن الولد المذموم ويكره أخاه .
والعدل ليس في الظاهر فقط ، فإن بعض الناس يعطي هذا خفية عن إخوته وهذا الاستخفاء يعلِّمُ الطفل الأنانية والتآمر .
5.  الحرص
     وهو مفهوم تربوي غائبٌ في حياة كثير من الأسر ، فيظنون أن الحرص هو الدلال أو الخوف الزائد عن حده والملاحقة الدائمة ، ومباشرة جميع حاجات الطفل دون الاعتماد عليه ، وتلبية جميع رغائبه .والأم التي تمنع ولدها من اللعب خوفاً عليه ، وتطعمه بيدها مع قدرته على الاعتماد على نفسه ، والأب الذي لا يكلف ولده بأي عمل بحجة أنه صغير كلاهما يفسده ويجعله اتكالياً ضعيف الإرادة ، عديم التفكير . والدليل المشاهَد هو : الفرق الشاسع بين أبناء القرى والبوادي وبين أبناء المدينة والحرص الحقيقي المثمر : إحساس متوقد يحمل المربي على تربية ولده وإن تكبَّد المشاق أو تألم لذلك الطفل . وله مظاهر منها :
أ الدعاء :
إذ دعوة الوالد لولده مجابة لأن الرحمة متمكنة من قلبه فيكون أقوى عاطفة وأشد إلحاحا ولذا حذر الرسول صلى الله
عليه وسلم الوالدين من الدعاء على أولادهم فقد توافق ساعة إجابة .
ب. المتابعة والملازمة :
لأن العملية التربوية مستمرة طويلة الأمد ، لا يكفي فيها التوجيه العابر مهما كان خالصاً صحيحا وقد أشار إلى ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال :
( الزمُوا أولادكم .. وأحسنوا آدابهم )
والملازمة وعدم الغياب الطويل عن البيت شرط للتربية الناجحة ، وإذا كانت ظروف العمل أو طلب العلم أو الدعوة
تقتضي ذلك الغياب فإن مسئولية الأم تصبح ثقيلة ، ومن كان هذا حاله عليه أن يختار زوجة صالحة قوية قادرة على القيام بدور أكبر من دورها المطلوب .
6. الحزم
  وبه قوام التربية ، والحازم هو الذي يضع الأمور في مواضعها ، فلا يتساهل في حال تستوجب الشدة ولا يتشدد في حال تستوجب اللين والرفق .
وضابط الحزم :
أن يُلزم ولده بما يحفظ دينه وعقله وبدنه وماله ، وأن يحول بينه وبين ما يضره في دينه ودنياه ، وأن يلزمه التقاليد الاجتماعية المرعيَّة في بلده ما لم تعارض الشرع . قال ابن الجوزي - رحمه الله- : فإنك إن رحمت بكاءه لم تقدر على فطامه ، ولم يمكنك تأديبه ، فيبلغْ جاهلاً فقيراً" .وإذا كان المربي غير حازم فإنه يقع أسير حبه للولد ، فيدلّله ، وينفذ جميع رغائبه ، ويترك معاقبته عند الخطأ ، فينشأ ضعيف الإرادة منقاداً للهوى ، غير مكترث بالحقوق المفروضة عليه .وليس حازماً من كان يرقب كل حركة وهمسة وكلمة ، ويعاقب عند كل هفوة أو زلّة ، ولكن ينبغي أن يتسامح أحيانا .ومن مظاهر الحزم كذلك عدم تلبية طلبات الولد ؛ فإن بعضها ترف مفسد ، كما أنه لا ينبغي أن ينقاد المربي للطفل إذا
بكى أو غضب ليدرك الطفل أن الغضب والصياح لا يساعده على تحقيق رغباته وليتعلمَ أن الطلب أقرب إلى الإجابة إذا كان بهدوء وأدب واحترام .
ومن أهم ما يجب أن يحزم فيه الوالدان النظام المنزلي ، فيحافظ على أوقات النوم والأكل والخروج ، وبهذا يسهل ضبط أخلاقيات الأطفال ، "وبعض الأولاد يأكل متى شاء وينام متى شاء ويتسبب في السهر ومضيعة الوقت وإدخال الطعام
على الطعام ، وهذه الفوضوية تتسبب في تفكك الروابط واستهلاك الجهود والأوقات ، وتنمي عدم الانضباط في النفوس . . وعلى رب الأسرة الحزم في ضبط مواعيد الرجوع إلى المنزل والاستئذان عند الخروج للصغار - صغار السن أو صغار العقل- " .
7. الصلاح 34
فإن لصلاح الآباء والأمهات أثر بالغ في نشأة الأطفال على الخير والهداية- بإذن الله- وقد قال سبحانه :

وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا وفيه دليل على أن الرجل الصالح يُحْفَظ في ذريته ، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخر، بشفاعته فيهم ، ورفع درجتهم إلى درجته في الجنة لتقر عينه كما جاء في القرآن ووردت به السنة ومن المشاهَد أن كثيراً من الأسر تتميز بصلاحها من قديم الزمن وإن ضل ولد أو زلَّ فَاءَ إلى الخير بعد مدة ؛ لصلاح والديه وكثرة طاعتهما لله . وهذه القاعدة ليست عامة ولكن هذا حال غالب الناس . وقد يظن بعض الناس أن هذا لا أثر له ، ويذكرون أمثلة مخالفة لذلك ، ليبرروا تقصيرهم وضلالهم .
8. الصدق
   وهو "التزام الحقيقة قولاً وعملاً" ، والصادق بعيد عن الرياء في العبادات ، والفسق في المعاملات ، وإخلاف الوعد وشهادة الزور ، وخيانة الأمانات .وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة المسلمة التي نادت ولدها لتعطيه ، فسألها : ماذا أردت أن تعطيه ؟ قالت : أردت أن أعطيه تمراً ، فقال : لو لم تعطيه شيئا كُتبت عليكِ كذبة .
ومن مظاهر الصدق ألا يكذب المربي على ولده مهما كان السبب ؛ لأن المربي إذا كان صادقاً اقتدى به أولاده ، وإن
كان كاذباً ولو مرة واحدة أصبح عمله ونصحه هباء ، وعليه الوفاء بالوعد الذي وعده للطفل ، فإن لم يستطع فليعتذر إليه .
وبعض الأطفال يتعلم الرياء بسبب المربي الذي يتظاهر أمام الناس بحال من الصلاح أو الخلق أو الغنى أو غيرهما ثم يكون حاله خلاف ذلك بين أسرته
9. الحكمة
   وهي وضع كل شيء في موضع ، أو بمعنى آخر : تحكيم العقل وضبط الانفعال ، ولا يكفي أن يكون قادراً على ضبط الانفعال واتباع الأساليب التربوية الناجحة فحسب ، بل لابد من استقرار المنهج التربوي المتبع بين أفراد
البيت من أم وأب وجد وجدة وإخوان وبين البيت والمدرسة والشارع والمسجد وغيرها من الأماكن التي يرتادها ؛
لأن التناقض سيعرض الطفل لمشكلات نفسية .وعلى هذا ينبغي تعاون الوالدين واتفاقهما على الأسلوب التربوي المناسب ، وإذا حدث أن أمر الأب بأمر لا تراه الأم
فعليها أن لا تعترض أو تسفِّه الرجل ، بل تطيع وتنقاد ويتم الحوار بينهما سراً لتصحيح خطأ أحد الوالدين دون أن يشعر الطفل بذلك.
أهداف التربية
  يُقصد بالأهداف التربوية: «الأغراض أو الغايات، التي تسعى العملية التربوية إلى تحقيقها والوصول إليها، قريبة كانت أو بعيدة».
وتحديد الأهداف لأي عمل من الأعمال التربوية أمرٌ أساسي قبل الشروع في هذا العمل وتنفيذه؛ لأن هذا التحديد يؤثر تأثيرًا كبيرًا في تكييف وتحديد مجال الدراسة، وطرقها، ووسائلها، وأساليبها التي تحقق هذه الأهداف، كما أن الأهداف غالبًا ما تكون محركًا للسلوك وموجهًا إليه.
    لذا؛ كان لزامًا على دارسي التربية الإسلامية أن يحددوا أهدافها أولاً؛ حتى يستطيعوا أن يحددوا الطرق والوسائل والأساليب التي يمكن أن تحقق لهم أهدافهم، وتحركهم تجاه هذه الأهداف بقوة وفعالية؛ فالإنسان عندما يضع لنفسه هدفًا محددًا ينشط كلما اقترب منه خطوة، وكلما حقق جزءًا منه ازداد فرحًا وسرورًا وبهجة، وتصميمًا على مواصلة العمل في سبيل تحقيق باقي الهدف، ويدفعه ذلك إلى تنظيم حياته، «وتجنب اللهو والأمور التافهة التي ينشغل بها – عادةً - من ليست لهم الأهداف السامية، ولا يعرفون كيف يملَئُون أوقات فراغهم بما يعود على حياتهم بالنفع».
والإنسان الذي لا هدف له، لا يعرف لذة العمل، ولا يتذوق طعم الحماس، بل يحيا حياته ضائعًا، لا يعرف أين الجهة التي يولي وجهه شطرها، ولا يدري أين المنتهى، ولا يستطيع الجزم بأفضلية طريقة على طريقة أخرى، أو الأخذ بوسيلة دون أخرى.
إذن، فتحديد أهداف معينة للتربية الإسلامية يعد أمرًا لازمًا وضروريًّا لممارسة العملية التربوية في الإسلام، وضمان نجاحها واستمرارها وتطورها؛ لتؤتي ثمارها بأقل جهد، وأقصر وقت، وأفضل عطاء.
ما أن تحديد أهداف التربية الإسلامية يساعد على تحديد «مسارات التقدم العلمي والحضاري، ويُوَجِّه هذا التقدم إلى حيث يجب أن يتجه إليه. وكل ذلك يعد بمثابة موجهات واقية من انحراف التربية عن مسيرها المستقيم».
والأهداف التربوية الإسلامية تدور حول أربعة مستويات
الأول: الأهداف التي تدور على مستوى العبودية لله - سبحانه وتعالى - أو إخلاص العبودية لله.
الثاني: الأهداف التي تدور على مستوى الفرد؛ لإنشاء شخصية إسلامية ذات مثل أعلى يتصل بالله تعالى.
الثالث: الأهداف التي تدور حول بناء المجتمع الإسلامي، أو بناء الأمة المؤمنة.
الرابع: الأهداف التي تدور حول تحقيق المنافع الدينية والدنيوية.
      أما مصادر اشتقاق الأهداف التربوية فلا تخرج غالبًا عن مصدرين رئيسين، هما: الفرد والمجتمع؛ وعلى هذا اتفقت معظم الفلسفات والنظريات التربوية في الماضي والحاضر، وتتفق التربية الإسلامية مع هذه النظريات والفلسفات - في تحديد هذين المصدرين كمصادر لاشتقاق الأهداف التربوية، لكنها تنفرد عن غيرها من الفلسفات والنظريات في أن هناك مصدرًا ثالثًا يحتل مركز الصدارة بين مصادر اشتقاق الأهداف في التربية الإسلامية، وهو «الوحي الإلهي»، الذي يعد الضابط الذي تقوم عليه تربية الفرد في الإسلام. وعلى هذا تكون مصادر اشتقاق الأهداف في التربية الإسلامية ثلاثة، هي:
1 - الوحي الإلهي: المتمثل في كتاب الله – تعالى - وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
2 - المجتمع المسلم: الذي يجب التعرف على احتياجاته، ومتطلباته، وظروفه، وأحواله المتغيرة؛ لتحديد الأهداف التي تناسبه.
3 - الفرد المسلم: الذي يجب التعرف على طبيعته، وميوله، ورغباته، ومواهبه؛ لوضع الأهداف التي تناسب ذلك.
ويمكن تقسيم أهداف التربية الإسلامية في ضوء المصادر التي اشتقت منها، والمستويات التي تعمل على تحقيقها إلى نوعين من الأهداف:
الأول: الهدف العام للتربية الإسلامية:
ويتمثل الهدف العام للتربية الإسلامية في تحقيق معنى العبودية لله تعالى؛ انطلاقًا من قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات:56].
فالهدف الأساسي لوجود الإنسان في الكون هو عبادة الله، والخضوع له، وتعمير الكون؛ بوصفه خليفة الله في أرضه. والعبودية لله – تعالى - لا تقتصر على مجرد أداء شعائر ومناسك معينة: كالصلاة، والصيام، والحج - مثلاً - وإنما هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
     فالإنسان الذي يريد أن يتحقق فيه معنى العبودية، هو الذي يُخضع أموره كلها لما يحبه الله – تعالى - ويرضاه، سواء في ذلك ما ينتمي إلى مجال الاعتقادات، أو الأقوال، أو الأفعال؛ فهو يكيف حياته وسلوكه جميعًا لهداية الله وشرعه؛ فلا يفتقده الله حيث أمره، ولا يجده حيث نهاه، وإنما يلتزم بأوامر الله فيأتي منها ما استطاع، وينزجر عن نواهيه سبحانه فلا يقربها؛ تصديقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فَأْتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن أمر فاجتنبوه»؛ فالمسلم دائمًا إذا أمره الله – تعالى - أو نهاه، أو أحل له، أو حرم عليه - كان موقفه في ذلك كله: ﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].
وهذا هو الهدف العام الذي تعمل التربية الإسلامية على تحقيقه.
ثانيًا: الأهداف الفرعية للتربية الإسلامية:
إن تحقيق الهدف العام للتربية الإسلامية - متمثلاً في العبودية الحقة لله تعالى - يتطلب تحقيق أهداف فرعية كثيرة، منها:
أولاً: التنشئة العقدية الصحيحة لأبناء المجتمع المسلم؛ لإعداد الإنسان الصالح الذي يعبد الله - عز وجل - على هدى وبصيرة.
ثانيًا: أن يتخلق الفرد في المجتمع المسلم بالأخلاق الحميدة: من صدق، وأمانة، وإخلاص... إلخ؛ مقتديًا في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي شهد له ربه سبحانه بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، وعملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعِثتُ؛ لأتمم مكارم الأخلاق»؛ وبذلك يمكن تهيئة المجتمع المسلم للقيام بمهمة الدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثالثًا: تنمية الشعور الجماعي لأفراد المجتمع المسلم؛ بحيث يرسخ لدى الفرد الشعور بالانتماء إلى مجتمعه؛ فيهتم بقضاياه وهمومه، ويرتبط بإخوانه؛ عملاً بقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ترى المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»؛ وبذلك تتأكد روابط الأُخوَّة الإيمانية الصادقة بين أبناء الأمة المسلمة.
رابعاً: تكوين الفرد المتزن نفسيًّا وعاطفيًّا،
وذلك بحسن التوجيه وحسن الحوار مع الأطفال، ومعالجة مشاكلهم النفسية... إلخ؛ مما يساعد على تكوين شخص فاعل وعضو نافع لمجتمعه.
خامسًا: صقل مواهب النشء ورعايتها؛ لتكوين الفرد المبدع،
الذي يتمتع بالمواهب والملكات التي باتت ضرورة ملحة لتقدم المجتمعات في الوقت الحاضر، وذلك بتنمية قدرات النشء على التفكير الابتكاري، ووضع الحلول للمشكلات المختلفة، وتنمية قدراتهم على التركيز والتخيل والتعبير، واستثارة الذهن بالأسئلة والمناقشات، وتوجيه الأطفال إلى الأمور التي قد تكون أكبر من سنهم، ورفعِ همتهم، وتنظيم تفكيرهم.
سادساً: تكوين الفرد الصحيح جسميًّا وبدنيًّا، الذي يستطيع القيام بدوره وواجبه في عمارة الأرض واستثمار خيراتها، والقيام بأعباء الاستخلاف في الأرض ومهامه، التي جعله الله خليفته فيها؛ عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»؛ ولهذا شجع الإسلام على أمور تقوي الجسم: كالرمي، والفروسية، والسباحة، وكان الصحابة يتبارَوْن ويتمرنون على رمي النبل، وصارع الرسولُ صلى الله عليه وسلم ركانة بن عبد يزيد فصرعه صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك سببًا في إسلامه.
هذا وسيأتي تفصيل القول في موقف الإسلام من هذه الأهداف، وكيفية سعيه إلى تحقيقها عند الحديث في مقالات لاحقة عن ميادين ومجالات التربية في ضوء السنة النبوية بمشيئة الله تعالى.












المراجع المتخصصة:
1 - أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، عبد الرحمن النحلاوي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة، 1425هـ - 2004م.
2 - أهداف التربية الإسلامية وغاياتها، مقداد يالجن، دار الهدى للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية، 1409هـ.
3 - التربية الإسلامية للأولاد: منهجًا وهدفًا وأسلوبًا، عبد المجيد الحلبي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1422هـ - 2001م.
4 - تربية الطفل في الإسلام: النظرية والتطبيق، د/ محمد عبد السلام العجمي، وآخرون، مكتبة الرشد، المملكة العربية السعودية، الرياض، الطبعة الأولى، 1425هـ- 2004م.
5 - التربية قديمها وحديثها، فاخر عاقل، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثالثة 1981م.
6 - الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، سهام مهدي جبار، سلسلة الكتاب التربوي الإسلامي، إشراف: د/ محمد منير سعد الدين، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، الطبعة الأولى 1417هـ - 1997م.
7 - العبادة في الإسلام، يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1393هـ-1973م.
8 - العبودية، لابن تيمية، دار المدني للطباعة والنشر والتوزيع، جدة، (1398هـ-1978م).
9 - مقدمة في التربية الإسلامية، د/ صالح بن علي أبو عراد، الدار الصولتية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1424هـ - 2003م.
10 - منهاج الطفل المسلم في ضوء الكتاب والسنة، أحمد سليمان، مطبعة النرجس التجارية، الرياض، الطبعة الثانية، (1422هـ-2001م)، ص (24-26).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق